British Nutrition Clinics

عيادات التغذية البريطانية British Nutrition Clinics

لماذا أنت فاشل ومُقصر, ولماذا زميلك أفضل منك

دراسة الدكتوراة في بلد مثل بريطانيا مختلف عن دراسة الدكتوراة في أي بلد أخر، فنظام دراسة الدكتوراة في بريطانيا لا يوجد فيه أية مادة أو كورس للدراسة ولا يوجد أية امتحان يجب عليك التحضير له، اللهم إلا جلسة الدفاع في أخر رحلة الدكتوراة. يعتمد نظام الدكتوراة في بريطانيا على الإجابة عن سؤال واحد وأستطيع تشبيه الدكتوراة بأنها تنشىء معرفة معمقة بطريقة عامودية، على عكس الدكتوراة في بلدان أخرى مثل ألمانيا وأميركا، حيث توجد عدة مواد للدراسة وسيتم تقييمك فيها، وقد تقوم بدراسة أكثر من بحث في رحلتك للدكتوراة لو درستها في ألمانيا وأميركا، وأستطيع تشبيه الدراسة في هذه البلدان بأنها تنشىء معرقة أفقية. تختلف المدارس الفلسفية في الدكتوراة فالبعض يؤكد أن الطريقة البريطانية هي الطريقة الأفضل لأنها تهيء الطالب لمعرفة دقيقة جدا في موضوع واحد، بينما يعتقد أخرون أن الطريقة والمنهجية الأوربية والأميركية هي الأفضل حيث أنها تنشأ معرفة واسعة في مجال التخصص. أنا شخصيا كوني درست في بريطانيا فأميل للمنهجية البريطانية، حيث أني أعتقد أن رحلة الدكتوراة في بريطانيا هي الأفضل، لدرجة أن طالب الدكتوراة يصبح (أفهم) في مجال عمله من المشرف الذي أشرف على رسالته، وذلك من خلال الانغماس في البحث من اليوم الأول في الدكتوراة، ويعتمد أسلوب الدكتوراة في بريطانيا على الاعتماد على الذات حيث نقوم بلقاء المشرف على الدكتوراة مرة أو مرتين في الشهر ويكون لقائنا لمدة نصف ساعة فقط.
وأذكر جيدا منذ ثماني سنوات، أني كنت أقضي ساعات طويلة جدا جدا جدا في المختبر، لدرجة أني كنت أخرج من الجامعة عند الثانية صباحا وأدخل الجامعة عند السادسة صباحا (هذا ليس لأني خارق للعادة وليس لأني شغوف بالعلم، بل هو واجب وقطار يسير بسرعة يجب أن تركب به من أول الخط، ولو حدث وأن تمهلت قليلا، ستلاحظ أنك ستحتاج للركض لعشرات الأميال وقد لا تلحق القطار).
لا زلت أذكر أن مكتبة الجامعة تكون صفرا خالية على عروشها خلال أيام الدوام الرسمي، وتصبح مكتظة عند الامتحانات فقط. وأكثر ما كان ولا يزال يثير استغرابي هو أني كلما كنت أمر بجانب المكتبة، أجد الطلاب مركزين بشكل غريب ويكتبون ويبدوا عليهم التعمق والتركيز الشديد، وهم طلاب سنة أولى أو ثانية أو ثالثة، وأنا طالب الدكتوراة أتعامل مع الكيبورد كأنه بيانو وأغلب كتابتي بدون تركيز، فيتولد في نفسي شعور سيء جدا، وهو شعور التقصير وعدم الإنجاز (عدم الإنجاز هو شعور سلبي، خدّاع، وهمي)، كثير ما كنت أشعر أني فاشل، لأدخل في حالة شعورية سيئة سلبية تجعلك تشعر بأنك بلاقيمة. أنهيت دراسة الدكتوراة وبدأت العمل في جامعة ليدز بدوام كامل، وفي جامعة ليدز كان الشعور أفظع وأسوأ، فقد كنت أرى أقراني في العمل منهمكون في العمل ويشتكون دائما من العمل، وأنا كل ما أقوم به هو العمل على تجارب ثم كتابة البحث والتدريس. أما الزملاء فكانوا يركضون بسرعة، على الرغم أنهم من ناحية الإنجاز (تلك الكلمة الزائفة، فقد كانوا ينشرون بحثا في السنة وأنا كنت أنشر عدة أبحاث). انتقلت للعمل في جامعة ليفربول جون مورس بمنصب رفيع في التدريس والبحث العلمي، وكنت آمل أن الوضع سيتغير، ولكن عبس، فما زلت لحد هذه اللحظة أرى الطلاب في المكتبة مستغرقون في العمل والكتابة ومشغولون بشكل رهيب، وأنا أشعر أني فارغ وليس لدي إنجاز.
منذ حوالي الأربع سنوات انطلقت في عالم السوشيال ميديا وبدأت أتوسع في عرض خدماتي الطبية التغذوية العلاجية أونلاين، وكنت أتوقع أن الناس ستتهافت على حجز استشارات معي، أنا الذي أفنيت نصف عمري بالظبط في الجامعة والبحث والتعليم ومعالجة الناس وجها لوجه، ولكن الواقع كان مختلفا، حيث وجدت أن المشهور في السوشيال ميديا هو الذي يعمل فقط، وأنا شخصيا لدي قناعة ثابتة أتمنى أن ألتقي بأحد ويغيرها لي، وهذه القناعة جاءت من اعتقادي أن المشهور في مجال التغذية من المستحيل أن يمتلك الوقت للدراسة والعمل والتصوير بشكل يومي، ولك أن تتخيل ان كنت رأيت مشاراكاتي الأخيرة على منصة الانستغرام كم هي مجهدة ومرهقة، فيجب لكي تنتشر أن تظهر بوجهك وتتكلم أمام الكاميرا والمشكلة تكمن هي أنه يجب عليك تغيير مكان جلوسك وتعديل الديكور ليصبح لائقا بذائقة المشاهد، فيجب عليك أن تجهز زاوية في المنزل وهذه الزاوية مخصصة للتصوير (يعني يجب ألا يلمس هذه الزاوية المقدسة لا إنس ولا جان)، وعند تصوير الفيديو يجب عليك ضبط الصوت بحيث لا يهمس أحد في المنزل وإلا سيخرج صوته في الفيديو، ناهيك عن الهندام والثياب التي يجب عليك أن تغيرها وتبدلها بشكل دائم، وقد لاحظت عند الناس دقة ملاحظة رهيبة فالبعض لاحظ أني أصور دائما بنفس القميص، ولا أعرف ان كان لهذا دليل على شخصيتي، حيث أني أحب قميصا بلون واحد ولدي منه عدة نسخ. كل ماسبق بخصوص التصوير هو شيء متعب مرهق، لا توجد فيه أية متعة. ولا يجب أن أنسى الأخطاء والعثرات التي تحصل خلال التصوير، مثل وقوع الميكروفون وضربه، أو عند وضع كمية كبيرة من الملح في المشروب الذي أشربه خلال التصوير، لدرجة أني أحيانا أضع الملح الفائض المنسكب عن طريق الخطأ في وعاء النبات الذي على الشباك، وقد لاحظت مؤخرا أن النبتة قد ماتت من كثرة الملح.
لذلك كنت ولا زلت أعتقد أن الوقت الضائع في الفيديو وتصويره وإعداده وإسكات أهل المنزل كله لكي لا يخرج لهم صوت هو شيء غير منطقي ويولد في بيئة من التوتر. وكما أسلفت أتمنى أن ألتقي يوما ما بمشهور في التغذية ليغير لي وجهة النظر في المشاهير وخصوصا عندما يقولون بأنهم يقرأون لساعات طويلة جدا كل يوم، والذي أعتقده أنه إما أنهم خارقون للطبيعة، أو أنا لا أعرف إدارة الوقت مثلهم.
كل ما ذكرته لك لحد هذه اللحظة يدعى ضغط الزملاء أو الأقران، وهو حالة شعورية تتولد في النفس عند رؤيتك لغيرك يتكلم عن إنشغاله وتفانيه وإباءه وإخلاصه والساعات الطويلة التي يقضيها في تحصيل العلم، وتنظر لنفسك فترى أنك لم تفعل أي شيء. هذا الضغط هو شعور سلبي وغير حقيقي، فلا أحد يعرف ما تمر به إلا أنت، ولا أحد يستطيع تقييم وضعك ونجاحك من عدمه إلا أنت.

2 thoughts on “لماذا أنت فاشل ومُقصر, ولماذا زميلك أفضل منك”

  1. حقيقة دكتور كلامك صح تماما واكبر دليل هو الشائعة يلي انتشرت عن الاسبارتام يلي كل اخصائيات التغذية طلعو حكو بنفس الكلام. لما اجيت انا احكي متل وبلحظة خطرلي ابحث اكتر عن الموضوع لحتى احكي ب اسلوب جديد لقيت انو كلامن مانو موجود اصلا وهاد اكبر دليل انو المشهور مانو مثقف وكتير ناس عندا معلومات وثقافة ولساتا بالظل.وبالفعل موضوع السوشيل ميديا متعب وبدو وقت وطاقة ودماغ متفرغ.
    وحتى يلي عم لاحظو من زملائي يلي دايما مشغولين من ضغط الحميات والمشتركين انو ماعندن اي معلومة خارج يلي تعلموه بالجامعة واذا عملو كورس فا بيعملوه ليتصورو ويحطو الشهادة للدعاية فقط

  2. شكرا لمساهمتك دكتور في تغيير قناعاتنا ليس في مجال التغذية فقط ولكن في الحياة الشخصية والعملية.

    كنت أقرأ كل كلمة بشغف كأني أكتبها وكأنها تحكي تفاصيل إحساسي تجاه الفشل والنجاح 🥹

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *