سأتحدث اليوم عن مخدرات الروح, سأتحدث عن الشغف
بدأت منذ حوالي السنة تقريبا بالتخفيف من الوقت الذي أقضيه على السوشيال ميديا، فبالرغم أن السوشيال ميديا قربت المسافات كثيرا وجعلتك تتعرف على من قد يشابهك بالتفكير ولكن في نفس الوقت يبدوا أن الوقت الذي تقضيه على السوشيال ميديا لن يكون غالبا في صفحات من تهتم أن تسمع له ولرأيه، بل أنت غالبا ما تطلق العنان لخوارزمية الأنستغرام التي ستنقلك من فيديو لأخر لحين وصولك لفيديو يهمك فعلا فتقوم بمشاركته مع صديق أو مجموعة من الأصدقاء ليروا ما رأيت، وبهذا تكون قد أهديت خوارزمية الأنستغرام أثمن هدية، والهدية هي أن الأنستغرام أصبح يعرف ما تُحب، لذلك سيكون جهده في الفترة القادمة أن يظهر لك الفيديوهات المشابهة لما تحبه وما شاركته في السابق.
بالنسبة لي شخصيا أحمد الله، أن 90 بالمئة مما يظهر لي من الفيديوهات متعلق بالأكل أو المشاوي ومن النادر جدا أن يظهر لي فيديو من اختصاصي تغذية وذلك يعود لعدم مشاركتي أية فيديو مع أصدقائي يتعلق بالتغذية أو بالأكل الصحي. ولكن مشكلتي غالبا ما تكمن في ال10 بالمئة من الفيديوهات المقترحة على انستغرام، وهي الفيديوهات التي تتحدث عن العمل والبزنس وكيف يمكنك أن تحقق أحلامك عند اتباعك لخطوات محددة، مثلا: خمس خطوات لكي تصبح غنيا وأنت تجلس على الصوفا، أو أربع خطوات لخسارة الوزن (وداعا للكرش) وهكذا.. ويوجد قسم أخر في ال10 بالمئة من الفيديوهات المقترحة وهو يتحدث عن الشغف، حيث يظهر المؤثر (انفلونسر) ويتحدث كيف أن شغفه قاده للنجاح الذي وصل له، وهو بذلك يضلل الكثير من المتابعين الذين لا يملكون هذا الشغف، وأنا أولهم، فأنا لا أؤمن بشيء اسمه شغف، فالشغف بحسب اعتقادي هو مخدر يفصلك عن الواقع. ومشكلتي مع الشغف تعود لعدة أسباب.
السبب الأول: هو أن الشغف بالنسبة لي هو حالة مؤقتة من المستحيل أن تدوم، فمن المستحيل أن أذهب يوميا لعملي لأني شغوف به فقط، أنا أذهب لعملي لأني لدي التزام أخلاقي وعقد بيني وبين طرف أخر اما اسـتأجرني لأقوم بالعمل أو الخدمة ويجب علي إتمام هذا العمل سواء كان اليوم لدي شغف أم لم يكن لدي شغف.
السبب الثاني: هو أن الحياة لا يوجد فيها ثوابت، فلو سألت طالب البكلوريا ماذا ترغب أن تدرس، فسيخبرك بأنه لديه شغف للطب أو الهندسة أو لتخصص ما، ولكن هذا الطالب بنى شغفه على ما يعلم، فقد يختار دراسة الطب ولكنه لا يعرف أعباء دراسة الطب وما يترتب عليها بقية حياته، وقد يدخل الطب بشغف ويخبو هذا الشغف بعد أول امتحان لمادة التشريح المرضي مثلا، ليتحول شغفه لشيء أخر مختلف عن الطب، وأنا أعتقد أننا نكتشف أنفسنا وما نحب كل يوم ولا يوجد شيء ثابت لدينا، وأنا لا أتكلم هنا عن ثوابت الدين والأخلاق لذلك لايجب الخلط بين الأمرين.
السبب الثالث: هو أنه ليس من الحكمة أن تتخذ قرارا مهما بناءا على شغفك، فمن غير المنطقي أن تدخل تخصص مثل التغذية لأنك رأيت مؤثراً على السوشيال ميديا يسوق لنفسه على أن التغذية والعمل بها هي شغفه وهذا الشغف هو ما يدفعه ليستيقظ كل يوم ويذهب ليبدع في مجاله، لذلك ان كان قرارك لتدرس تخصص التغذية مبني على الشغف الذي قد ينقله لك أحدهم على الانستغرام فغالبا ما سوف تحبط وقد تترك التخصص من البداية أو تنتظر لحين التخرج لتبحث عن عمل في مجال أخر وتعطي أبرة مخدر لشغفك المزعوم.
السبب الثالث: وهو مايقوله أبراهام ماسلو رائد علم النفس التنموي وهو عالم نفس أميركي، توفي عام ١٩٧٠، حيث نشر في بحث له عام (١٩٤٣) ورقة بحثية بعنوان (نظرية الدافع البشري)، وفي هذه الورقة وضع نواة لهرم ماسلو أو هرم الاحتياجات البشرية، حيث رتب الاحتياجات البشرية بهرم قاعدته السفلى الكبيرة تتكون من الاحتياجات الأساسية الفيزيولوجية مثل الأكل والنوم وباقي الاحتياجات، ثم ينتقل هرم ماسلو بعد تحقيق هذه الاحتياجات الأساسية لمرتبة أو مرحلة أعلى وهي احتياجات الأمان (مثل الأمان الجسدي والأمان الأسري والأمان الوظيفي)، وبعد تحقيق هذه الاحتياجات ينتقل بالهرم لدرجة أعلى من الاحتياجات وهي الاحتياجات الاجتماعية كالصداقة والعلاقات الاجتماعية، وبعد تحقيقها ينتقل لمرتبة أعلى وهي احتياجات التقدير كالثقة والمكانة والشعور بالإنجاز، وأخر أو أعلى مرتبة في هرم ماسلو هي تحقيق الذات أو ما ندعوه أيضا بالشغف. قد تجتمع في الإنسان وتتحقق كل هذه الاحتياجات ويصل للمرتبة العليا في الاحتياجات وهي الشغف، ولكن أشك أنه يوجد إنسان واحد حقق كل الاحتياجات الأساسية في هرم ماسلو ووصل لرأس الهرم، فالمجتمع الذي أنتمي إليه يكون أفراده يعملون على تلبية الاحتياجات الأساسية في قاعدة الهرم، وهنا أود ذكر أنك ان كنت تنتمي لأسرة ولهذه الأسرة رب فاحتياجات كل فرد فيها قد تختلف عن الأخر، فرب الأسرة قد يكون يفكر في قاعدة الهرم، أما أبناؤه قد يكونون في مكان أخر أعلى في الهرم لأنهم لا يفكرون في القاعدة وهم يسلمون أنها موجودة ومكفولة ضمنا.
ما أود قوله أني أعتقد أن النجاح لا يقترن بالشغف، بل النجاح يقترن بالثبات والمتابعة والإستمرارية، ووجهة نظري أنه لو كان النجاح مقترنا بالشغف فسيخبوا ذلك الشغف بعد أول مطب أو صفعة في سوق العمل الذي قد لا يرحم.
انتهى
References:
Lester, D., 2013. Measuring Maslow’s hierarchy of needs. Psychological reports, 113(1), pp.15-17.