أعتقد بأنك لو خرجت من هذه الدنيا بصديق أو صديقين مقربين فهذا يكفيك، طبعا هذا الكلام ينطبق على من هو بعيد عن المجتمع الطبيعي الذي نشأنا فيه في الوطن العربي، فأعتقد (وقد أكون مخطئاً) أنك لو كنت تعيش في بلد عربي فمن المفروض أن تكون لديك علاقات أقوى لو كنت تعيش في بلاد الغرب، ففي بلاد الغرب يمكنك التهرب من العلاقات وضغوطها بسهولة، فكل ما عليك فعله هو إطفاء موبايلك، وتستطيع بعدها أن تسرح في فضاء وسائل التواصل الإجتماعي، وإن صدف وعاتبك أحدهم فلن تهتم برضاه أو زعله، الخلاصة هي بأنه يمكنك التملص بسهولة من الضغوطات الإجتماعية، وأعتقد أن المسألة مختلفة عندما نتكلم عن العلاقات في العالم العربي، فأنت في غالب الأحيان في بلد عربي ستجد مجموعة من البشر تتفق معهم وتستطيع تكوين علاقة صداقة معهم، ما أقصده هو أنه يمكنك أن تختار، وهذه الرفاهية لن تكون موجودة لو كنت من سكان الدول الغربية، وخصوصا إن كنت رجلاً، ففي ظل الكساد الإقتصادي ستجد أن أغلب الرجال يدخلون في إكتئاب وهو شيء جديد على جنس الرجال العرب ولم يسمع به أبناء جيلي إلا في بلاد الغربة، لا أعلم حقيقة ما سبب عدم الإقبال على الحياة في بلاد الغربة، هل هو شعورك أن هذا البلد ليس بلدك! وأنك يجب أن تعيش وتدفن في مدينتك التي ولدت فيها. إحدى الطرائف المضحكة الصادمة هي أني أسكن في بيت منذ 4 سنوات، ومنذ حوالي الستة أشهر طلبت تكسي أونلاين لتنقلني للمطار، فانتظرت التكسي خارج المنزل، لأتفاجأ أن جاري الحائط على الحائط هو من سيقلني للمطار، وفي الطريق بدأنا نتكلم باللغة الإنكليزية، وبعد بضعة دقائق، قال لي أنت عربي، باللغة العربية، لأتفاجأ أنه عربي من الجزائر، طبعا قد تستغرب من قلة ملاحظتي أن جاري عربي ولم أعرف ذلك منذ أربع سنوات، والسبب هو شكله فقد كنت أظنه أجنبي لأنه أبيض مثلهم، وتابعنا الحديث باللغة العربية عن الحياة في بريطانيا. لا أعلم السبب ولكن في بلاد الغربة الكل يخاف، فأنا لا أجرأ أن أفتح باب منزلي عندما يقرع بعد الساعة الخامسة مساءا، فهنا كل شيء بموعد مسبق، وفي كثير من الأحيان لا نفتح الباب أساسا خوفا أن يكون الطارق مجرما أو يقتحم المنزل، قد تصدم بهذا ولكن بريطانيا دولة ترعى المجرمين لا وبل تحتويهم وتخاف على مشاعرهم، فمثلا عندما سرق بيتي مرتين، أتت الشرطة للمنزل بعد يوم من السرقة، وأخبروني بأن اللص لو دخل المنزل فعلي أن أعطيه ما يطلب وأدعه ليذهب بسلام، ولو حدث وأن تعرضت للسارق بأن ضربته فالحق علي، وقد يشتكيني للشرطة هو، أنا لا أمزح فهذا الواقع، لعل كل ماذكرت يسهم في تعديل وصقل شخصياتنا نحن العرب في بلاد الغربة، وكما ذكرت في بداية حديثي بأنك لو خرجت من هذه الدنيا بصديق أو صديقين فقد حزت الدنيا، قد يكون لديك معارف كثر ولكن ليسوا أصدقاء.
المهم أنا لدي صديقين عبدالله وبشير، نجلس سوية كل شهر أو شهرين فنتحدث عن الطعام والمطاعم (غالبا)، ونتحدث قليلا عن الجو الماطر في مدينتنا وباقي الحديث ينصرف لمعرفة متى سنلتقي مرة أخرى، وهذه الجلسات الشهرية تحتاج لتخطيط عميق، وأستطيع أن أحلف أن تخطيط كتاب أو بحث علمي لدي أسهل بكثير من التخطيط للخروج مع الأصدقاء. لذلك باتت جلساتنا أغلبها نادرة الحدوث ولكننا نروح عن أنفسنا عن طريق مجموعة على الأنستغرام حيث نقوم بإرسال الفيديوهات التي تخص المطاعم في سورية والخليج والأكل التركي، وبعد كل مقطع فيديو نتنهد بأن عمرنا يضيع هنا بدون أهل أو أصدقاء أو مجتمع عربي كما نشأنا في بلادنا وبدون أكل لذيذ حتى ولدينا في بريطانيا مشكلة الأكل هي مشكلة غير مفهومة، فمن ناحية بريطانيا هي أكبر مصدر للتوابل والبهارات في العالم حيث أنها تسيطر على الشركات الهندية لبيع التوابل، وعند دخولنا للسوبرماركت نضيع بين أنواع التوابل، ومع ذلك فنحن نجلب البهارات من سورية. من ناحية أخرى اللحم، يا أخي ليس له طعم، كأنك تأكل كرتون بلا طعم ولا نكهة، ووجه الغرابة في هذا هي أن ويلز التي تبعد عني حوالي الساعتين ونصف في السيارة هي أكبر منتج ومصدر للحوم في أوربا كلها، والمصيبة هي أن الخراف الويلزية تصدر لبلادنا العربية، ومع ذلك عندما تتناول اللحم في بلد عربي وهذا اللحم تم جلبه من ويلز فسوف تكون طعمته لا توصف، لا أعرف صراحة، هل هو الحنين لكل شيء في بلادنا العربية؟ وهنا قد أخالف رأي قيس بن الملوح عندما قال:
وما حب الديار شغفن قلبي…….. ولكن حب من سكن الديارا
فأنا وكثيرون ممن أعرفهم يحنون للديار والأحجار، ولديهم ارتباط بالأماكن والزوايا، قد يبدوا كلامي دراما لذلك سأتوقف هنا. أوجعت لك رأسك، سامحني. انتهى.
إن وصلت لهنا, أرسل لي رسالة على الأنستغرام لأعرف أن أحدهم قد مر من هنا, ولو تركت تعليقا لطيفا هنا قد يقرأه أحدهم ويتفائل قليلا
للاسف هذا حال كل المغتربين ولكن اظن ان اوروبا اكثر خصوصية في عدة من النواحي التي ذكرتها