طرق التعبير لدى البشر أصبحت في سعة، فأصبحت الأن تستطيع الكتابة وإنشاء مدونة خاصة بك بدون أن تدفع قرش واحد، كما يمكنك أن تصور فيديو وتنشره على اليوتيوب مجانا، ويمكنك أيضا تسجيل ملف صوتي كبودكاست وتقوم بنشره مجانا، الفكرة هي أن تعبرّ، ولعل أبسط الثلاثة لدي هي أن أكتب، وهذا ما سأفعله الأن لأن كلامي قد لا يهضم إن قمت بتصويره أو سجلت حلقة بودكاست خاصة له.
أصبحت ألاحظ في الآونة الأخيرة أن الكثيرين يتكلمون بإيجابية يتكلمون بشكل يومي عن نجاحاتهم عن إنجازاتهم، عن كدهم وتعبهم، عن صبرهم في طلب العلم وكيف يسهرون الليالي الطوال يصلون الليل بالنهار ليحققوا مجدا لم يحققه أحد، والصراحة أنا أشعر بالضآلة أمام هؤلاء، فأنا لا أتكلم بإيجابية، وليس لدي نجاحات يومية لأشاركها، حتى طبيعة عملي مملة جدا، أستيقظ أذهب للعمل في مدينة غير مدينتي وأذهب إما للتدريس أو للكتابة أو للمخبر لأتفقد الخلايا هل لا زالت على قيد الحياة أم عكر صفوها شيء ما؟ أكل، أنام، أستيقظ وأعيد الكرّة كل يوم، لا يوجد شيء مثير للاهتمام، فلا إنجاز ولا بطيخ. هي تأدية الواجب وأكل العيش فقط.
أنا أعتقد أن المتفائلين والإيجابيين على وسائل التواصل الإجتماعي يروجون ويشجعون على التركيز المفرط على الجوانب الإيجابية فقط، ويتجاهلون الجوانب السلبية والتحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية، وكل ما أراه أنه يتم تشجيع النشر المستمر للصور المثالية والإنجازات، إنجازات إنجازات إنجازات، متل الماكينة، لازم كل يوم إنجاز، وهذا برأيي أنه يخلق وهماً مزيفا للحياة المثالية والسعادة الدائمة وحقيقة لا توجد سعادة خالصة فهكذا وُعدنا منذ خروج أبينا أدم من الجنة.
والمشكلة برأيي أن هذه الإيجابية هي إيجابية سامة مهتمها أن تحدث ضغطا نفسيا ومقارنة مستمرة وعبئا عقليا على من يتابعها، فعندما نشاهد صورا للأخرين وهم يعرضون حياتهم المثالية، سنشعر بالإحباط وعدم الكفاءة بشأن حياتنا الخاصة. وسيؤدي هذا الضغط إلى الشعور بالقلق وعدم الرضا عن الذات ويزيد من حدة الاكتئاب.
ولا أعرف ماسبب شعوري بأن التصفيق وتشجيع هذه الإيجابية السامة في وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بتجاهل القضايا الحقيقية والمشاكل الاجتماعية وتهمشها، فأنت ترى التركيز على الصور الجميلة والقصص السعيدة، فيحجب نظرك عن مشاكل المجتمع الذي تعيش فيه, فمثلا أصبح حلم شريحة كبيرة من الأطفال أن يصبحو تيك توكر ليهرجوا ويدخلوا في تحديات فيها إهانة للنفس في سبيل دعم مادي هو كمن يشحد استجداءا لعطف الناس، وفي التغذية ومجال العمل أجد نفس الإيجابية السامة، فمثلا تدخل على صفحات التغذية لتجد أن قسما كبيرا من الإختصاصين يروون قصص ألف ليلة وليلة عن ميزة الحميات التي يقدموها, كما يروون عن إلتزام مراجعيهم، وأنا صراحة وطيلة سنوات عملي أستطيع القول بأن حميات (التنحيف) التي أكتبها ينجح منها حوالي ال39 بالمئة فقط، وأنا من درست بكلوريوس وماجستير ودكتوراة بالتغذية وأتبعتها بماجستير عن كيفية إيصال المعلومة للناس، وأنا دكتور في الجامعة وهذه الجامعة جامعة بريطانية وأنا الوحيد في القسم الأجنبي والباقي كلهم من أبناء البلد الإنجليز، وقد يعني أن يثقوا بي ليجعلوني أدرس طلابهم في الجامعة وأترقى في المراتب العلمية قد يعني شيئا ما، ومع كل ما سبق من مدح لنفسي وإنجازاتي التي يستطيع أي إنسان أن يقوم بها لو وضع في نفس ظروفي، فيمكنني أن أقول لك أن جزءا بسيطا من حميات التنحيف التي أكتبها يلتزم بها المتابعون وتنجح، وقد توجد الكثير من الأسباب مثل أن من يرغب بخسارة الوزن لديه حياة ومشاكل وضغوطات، ولا أحد في الكون يستطيع التغلب عليها إلا ذلك الإنسان نفسه، ودعني أتجرد أكثر فمن الممكن أن الحمية التي أكتبها ليست جيدة ولم تلبي الغرض. وأنا أرى أنه من غير المنطقي أن تنجح الحميات التي يكتبها إختصاصي التغذية مئة بالمئة، فلو حدث هذا أقترح أن يذهب هذا الإختصاصي لمنظمة الصحة العالمية ليعطيهم ذلك السر الذي سيجعل مئة بالمئة من البدناء يخسرون الوزن الزائد.
أنا أؤمن بالصدق مع الطرف الأخر، وأدرك تماما أن ما قد كتبته كلام قد يضرني بشكل كبير كوني أنا أقدم هذه الخدمات. ولعل من شارك معي يستطيع البوح بما أخبره به في جلستنا الأولى وهي أول جملة أقولها له: فأقول بأني مثلي مثل كل إختصاصيين التغذية وهم يمكن أشطر مني كمان، ولكن بدنا نحاول مع بعض واحتمال عدم النجاح أكبر بكثير من النجاح. ومن يعلم بالبزنس والماركتنغ سيقول عني مجنون لأني بذلك أخسر الزبون حتى قبل أن يدخل ويشترك معي، ولكن لدي وجهة نظر مختلفة وهي أن الواقعية في اقتراح الأهداف هي الأساس بالإضافة للتقليل من التوقعات والشطحات الغير منطقية. ولو لاحظت معي أن الناس لم تعد تثق أساسا بإختصاصي التغذية من كثرة شطحاته وعدم واقعيته، وأود لفت نظر الإختصاصي بأن ما نقدمه كلنا لا تنطبق عليه شروط التسويق التي قد تدرسها عن الماركتنغ لعيادتك. أنا أعتقد أنه لا يوجد إختصاصي تغذية أفضل من الأخرين, فكل اختصاصين التغذية في العالم وهذا يتضمن بريطانيا وأميركا وأوربا والوطن العربي كله، كلهم يدرسون نفس المعلومات ويستخدمون نفس التحاليل الطبية، ويكمن الفرق فقط في الجهد الذي قد يبذله الاختصاصي لمتابعة المراجع لديه وأعني بمتابعته هي متابعته بشكل أسبوعي مثلا، ويكون أفضل وأفضل لو كان بشكل يومي وهو شيء مستحيل لدى الغالبية.
إن دورات التسويق ومن يعملون بالتسويق الإلكتروني قد يجلبون لك عملاء كثر لأنهم يلعبون على وتر علم النفس لدى المريض من ناحية أن يحشروه بزاوية المقاعد محدودة ومئات المتابعين استفادوا من حمياته. متناسين أن هذا الأسلوب قد ينفع في العمل مع التسويق للأشياء المادية التي تمثل قيمة ممسوكة محسوسة لدى العميل، أما ما نقدمه فهو في مجال الخدمات، وهذه الخدمات قائمة على الشفافية والصدق من طرف الإختصاصي أولا. ومن الصدق أن يخبر المراجع المصاب بالبدانة بأنه لن يخسر كل الوزن الزائد في شهر واحد ولا حتى شهرين. أنا مدرك تماما أن كلامي ليس لطيفا، وتطبيقه صعب أساسا، ولكني أرمي حجرا في بركة راكدة لعل الأمواج الصغيرة التي تتولد من البركة تصنع موجة أكبر وتساهم في تحسين صحة الناس
إن وصلت لهنا يا بطل ويا بطلة, أخبرني بأنك قد وصلت, فهذا سيجعلني أستمر في الكتابة أو يجعلني أتوقف
فعلا كلما ابتعدنا عن المنطق كلما انصدمنا وصدمنا من يعوّل علينا
كل من يعمل في مجال التسويق يدرك تماما ان ما يتم بيعه ليس الخدمة بالدرجة الاولى بل القيام ببيع المشاعر..
بحكم أني درست وعملت في مجال التسويق أقول أن ما قمت به للتو هو تعزيز لفكرة الtrust
التي يفتقدها المتابعين عادة لأي مختص في مجال طبي
نعم قد لا نكون الأشهر أو الأعلى مبيعا بس للي بيدور على قيمة حقيقية حتما سيجد مبتغاه في عيادتك
وجهة نظر واقعية جداً.